د.خالد بن سعود الحليبي والمؤسسات الخيرية
كثر من ستمائة ناشط في العمل الخيري يتجمعون من كل مدينة وقرية، من مملكة الإنسانية، تحت سقف واحد في ميرديان الخبر.. يبحثون الجودة والإتقان .. تظاهرة فريدة في عالم اليوم.
تجمعوا تحت رعاية كريمة من أمير المنطقة الشرقية، راعي البر، ومحفز الطاقات المبدعة في دروبه النبيلة.
كل لقطة تقع عليها لحاظك لوحة مبهرة من الإبداع والجمال الروحي الأخاذ.
كل ثانية تمر ترفع لبنة في بناء النور والحب الذي تنشره مصابيح المؤسسات الخيرية في جنبات وطننا الطهور.
كل ابتسامة هنا.. تلون وجنات الأيتام هناك، وتورد وجوه المحرومين، وتبهج الحفاظ، أو تنقذ إنسانا من نار الفقر، أو من ظلمة كربة في الدنيا، أو من نار تلظى يوم القيامة حين يستجيب إلى الإسلام وقد كان كافرا.
أتوا بلا حوافز مادية تجفف ينابيع الصدق والإحساس بالمسؤولية.
قدموا بلا تردد، تعودت عليه النفوس الضعيفة الهزيلة.
تنافسوا على التخفي وراء ستر الإخلاص، في الزمن الذي يلهث فيه الصغار إلى البروز والبهرجة وسرقة المنجزات.
تماسكوا برغم ما بينهم من اختلافات في وجهات النظر، أو من تغاير في أساليب العطاء، أو من تباين في المستهدفات.. مما يجعلهم يحسون بتكامل البناء، وسد الثغرات في كيان هذا الوطن العظيم.
وأتوا ليقولوا للدنيا: نحن هنا، برغم كل محاولات التقليص من العمل الخيري حين تكون هويته مسلمة، لأن بلاد الإسلام لا تخلع أردية الهدى التي تناولتها من يد المصطفى صلى الله عليه وسلم يدا بيد، ولا تتنكب صراط العزيز الحكيم، وقد جعلها بوابة السعادة البشرية، والرحمة الإلهية على جميع الأوطان.
لأن اليد العليا التي تمدها مملكة الإسلام والعروبة والإنسانية إلى كل مسلم وعربي وإنسان، لم تتعود أن تقبضها أبدا، بل تأبى أناملها ذلك، وكأنها خلقت بلا مفاصل.
تحلقوا في ظل ريادة تستحقها جمعية البر بالمنطقة الشرقية، ليصنعوا من العمل الخيري عملا احترافيا، مبنيا على الجودة بكل ما تعنيه، من إتقان وإحسان.
حتى الخبراء الذين استضافهم الملتقى التاسع للجمعيات الخيرية هذا، هم من حملة همِّ السعي في الإحسان إلى الخلق، بل هم ممن كانت لهم تجارب ناجحة، واحتكاك شديد، في الوسط التطوعي، فجاءت أطروحاتهم دقيقة ومباشرة وكاشفة للواقع، ومعالجة له.
نعم تبين أن هناك محاولات لبناء العمل الإداري والمؤسسي في القطاع الخيري على أسس الجودة، ولكنها محاولات قليلة جدا، لا يزال عدد منها يحتاج إلى مزيد فهم للجودة، وطرد للغبار عن مفرداتها، والتخوف من الدخول في آفاقها.
وتبين أن الوصول إلى الجودة ليس مستحيلا، ولا مكلفا جدا، بل هو دان للقاطفين، حين تكون الإدارة العليا للجمعيات والمؤسسات تريد ذلك!!
إن المؤسسات الخيرية تنفق ملايين الريالات سنويا دون دراسة كافية للجدوى والاحتياج، ولا استراتيجيات واضحة ومكتوبة، ولو أنها بذلت في هذا السبيل قليلا من المال لحصلت على أضعاف ما تحصل عليه من الموارد، وتضاعف بعد ذلك عطاؤها وأجرها، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
إن هذا اللقاء ليس مجرد عصف ذهني، ولا جمع آراء، ولا إبرازا لشخصية أو أخرى، إنما هو تلاقح تجارب، تنجب مزيدا من مواليد الخصب والنماء في مجتمعات بلادنا الحبيبة، ولذلك فإن اللقاءات الجانبية التي تتبرعم، وتتعنقد في كل زاوية، هي منجز آخر لهذا المشروع الجبار الذي أثبت أنه قادر على النجاح المستمر بإذن الله تعالى.